في ليلة مقمرة ساكنة, قررت الاستمتاع بقسط من الهدوء بعد يوم حافل بالعمل والحركة.
خرجت إلى قفر قريب من البيت, واتخذت مكانا تحت شجرة وارفة الأوراق والأغصان, كان جدي قد غرسها قبل سنين, وهي شاهدة على مرحلة صبانا الجميلة.
جلست والصمت والرهبة تلفاني في آن , وسرحت أفكر في ملكوت الله الواسع اللامحدود حيث لمست عظمة الخالق في صنعه.
فجأة, شعرت بقشعريرة عندما سمعت موسيقى تنبعث من بعيد , موسيقى لم تعتد عليها ادناي.
بدأت تقترب وتقترب, مصحوبة بجلبة وكلام ولغط كثير , وأشباح تتراقص متجهة صوبي , معدومة الملامح, معظمها تحمل فوانيس تنير ظلام الليل البهيم.
[فقط الأعضاء المسجلين والمفعلين يمكنهم رؤية الوصلات . إضغط هنا للتسجيل]
شيئا فشيئا بدا يتضح المشهد, وظهرت أمامي مجموعة من الغرباء, لباسهم غريب ليس كالمعهود, وهيأتهم تبعث على الخوف والقلق والريبة.
هممت بالوقوف والجري هربا منهم, لكن المجموعة طوقتني, ولم يعد هناك مجال للإفلات.
~ما بك أيها الإنسان الوحيد؟ خاطبني احدهم.
توقف الزمن وشل لساني عن الكلام وانساب العرق البارد على طول عمودي الفقري وارتفعت درجة الأدرينالين في كل جسمي.
~لا تخف أيها الإنسان , لن يصيبك منا أي أدى, إننا في طريقنا إلى المدينة حيث نقيم احتفالا هناك مع بني جلدتنا , هل يمكنك مرافقتنا؟
لم اصدق ما يحصل لي, وأنا في أوج الصدمة, تقدمت مني فتاة فائقة الجمال, تسدل شعرها الطويل على كتفها, لكني لاحظت أن عينيها حمراوان كالجمر, أصبت بالغثيان.
[فقط الأعضاء المسجلين والمفعلين يمكنهم رؤية الوصلات . إضغط هنا للتسجيل]
بكل لطف. قدمت لي تفاحة, وطلبت مني تناولها ,لم اسأل لماذا , قضمت قضمة سمعت في جو الصمت الرهيب.....ثم غبت عن الوجود.....
كنت وكأنني في حلم, في عالم غريب تختلط فيه مظاهر التقدم بصور البؤس والتخلف.
رأيت طوابير من المتسولين أمام دور العبادة وفي محطات القطارات وعند مواقف الحافلات, يطبع الألم وجوههم, شعرهم أشعث مغبر, كأنهم عائدون من ساحة الوغى. يجرون سلاسل ثقيلة في أرجلهم .
رأيت مركبات صغيرة بدون عجلات بالكاد تلامس الأرض , تتحرك بسرعة البرق ولا تصدر أي صوت بل بدون عوادم.
بنايات شاهقة تتصل فيما بينها بجسور حديدية عملاقة .
مقاهي عامرة وموسيقى صاخبة في كل مكان , وغرباء يمشون في الشوارع العريضة دون النظر في وجوه بعضهم كأنهم روبوتات مبرمجة.
لا شك انه زمن غير زمني وان هؤلاء مخلوقات أتت من وراء الشمس لتحكم عالمي.
ساقتني الجماعة إلى بناية عظيمة, ولجنا إليها عبر بوابة ضخمة فتحت بكبسة زر.....مكاتب, موظفون....أناس يشتغلون دون انقطاع ولا يأبهون لمن حولهم.
بدهشة وفضول , سالت الفتاة:
~بالله عليك اخبريني أين نحن؟
~انه عالمنا الجديد, نحن من أسسه.منذ فترة طويلة ونحن نبحث عن مكان ملائم للعيش فيه, بعد أن نفدت كل مصادر الطاقة عندنا.دامت رحلتنا قرونا حتى وصلنا إليكم . كنتم في غفلة , وقد ألهتكم الحروب والصراعات وتضارب المصالح الشخصية .أضعفكم التفكك والتنافر وكنتم فريسة سهلة . لقد أصبحتم عبيدا لنا.
[فقط الأعضاء المسجلين والمفعلين يمكنهم رؤية الوصلات . إضغط هنا للتسجيل]
شدني الحنين إلى الأمس القريب, عهد الحرية والسلام, أيعقل أن تتغير الحياة بهذه السرعة ؟أيعقل أن نفقد كل شيء في لمح البصر؟
في خضم بحر التساؤل......تمتد نحوي يد غليظة , تشدني من قفاي , وتقتادني الى ما يشبه ردهة محكمة, لا قاضي ولا مستشار ولا محامون ولا شهود . ينبعث صوت من مكبرات الصوت المسمرة في كل أركان القاعة.
~الاسم.....اللقب.....السن.....الوظيفة ...العنوان......؟؟؟
نسيت كل شيء.لم اعد أتذكر من أنا, حاولت لكنني لم اعد أتذكر لا اسمي ولا عنواني...
~حكمت عليك المحكمة أن تعيش بلا هوية , ولا وطن....وستعيش طريدا بلا أهل , وستنفد كل ما يطلب منك....
بسرعة, قدم من غير ملابسي ببذلة ثقيلة خشنة ومتسخة, ثم وضع السلاسل والأغلال في رجلاي.
[فقط الأعضاء المسجلين والمفعلين يمكنهم رؤية الوصلات . إضغط هنا للتسجيل]
عندما هم بوضع ما يشبه الكمامة على فمي ....قاومت ...بما أوتيت من قوة ...صحت بأعلى صوتي مستغيثا حتى بح صوتي ....وطال صياحي....
ثقل يجثو على جسمي . تحجرت أطرافي ويظهر أن لا احد سيسمعني...
~ما بك يا بني ؟ اسم الله عليك...
فتحت عيناي , فإذا بها أمي تهدا من روعي , تحت شمس حارقة على وجهي , والعرق بتصبب من جبيني .....أكاد اختنق .أدركت ساعتها انه كان كابوسا مرعب , واني قضيت الليل كله تحت الشجرة بعد آن هزمني النوم.
منقول